Be aware
ع

الانتصار بالنقاط: الوعي والبندقية
حسن ياسر عمر @hassanomar_99

في معارك التحرر لا تُخاض الحروب بالسلاح فقط، بل تُخاض أولًا بالعقل، بالوعي، بالبوصلة. قبل أن تخرج البندقية من مخبئها، يخرج الوعي من ظلمات التبعية والخذلان، ويقف ليُعرّف العدو، ويُحدّد الموقف، ويُعلن الانحياز.

الوعي ليس ترفًا نخبويًا، بل هو شرط أساسي لأي مقاومة أصيلة. فالمشكلة لم تكن يومًا في غياب السلاح، بل في ضياع البوصلة. وقد كانت هذه هي الكارثة الكبرى التي عاشتها الأمة لعقود: أن يُرفع السلاح في غير وجهته، أو يُترك السلاح لأن الوعي مغيّب.

وهنا تتجلّى عظمة فكر الدكتور فتحي الشقاقي، الذي رفض الثنائية القاتلة بين الفكر والبندقية. كان يرى أن العلاقة بين الوعي والجهاد علاقة طردية لا تناقضية، وأنه لا يجوز تأجيل الجهاد بحجة بناء الوعي، كما لا يجوز حمل السلاح من دون وعي. بل كان يؤمن أن المواجهة نفسها تصنع وعيًا، وأن كل لحظة اشتباك مع العدو هي أيضًا لحظة تربية شعبية وتغيير ثقافي.

فنحن لا نملك ترف أن نؤجل البندقية حتى ينضج الوعي، ولا أن نؤجل الوعي حتى تنتهي المعركة؛ الوعي يصنع البندقية، والبندقية تحرس الوعي. فنحن نقاتل لنفهم أكثر، ونفهم حتى نقاتل بشكل أعمق.

في هذا السياق، يصبح الوعي نقطة من نقاط الانتصار المتراكمة. لأنه ما من طلقة تُطلق باتجاه العدو إلا وقد سبقها وعي بمن هو العدو، ولماذا نقاومه، وما غايتنا من هذا الطريق. فالوعي هو الذي يحول السلاح من أداة قتل إلى مشروع تحرير.

الانتصار بالنقاط لا يبدأ من المعركة، بل من الموقف. وكل وعي يتشكل في وجه العدو، هو طلقة معنوية تفتك بالاحتلال، لأنه ينزع من يد العدو سلاحه الأخطر: التجهيل، التلبيس، التشويه.

ولذا، فالمشروع المقاوم لا يصنع البندقية فقط، بل يصنع العقل الذي يُشهرها، والروح التي تُوجّهها، والبوصلة التي تُبقيها في خط المواجهة الصحيح.

نعم، الوعي قبل البندقية، لكنه لا يؤجلها، بل يُرافقها، يُضيء طريقها، ويمنع انحرافها، لتظل كل طلقة تصيب صدر العدو وما دون ذلك هوامش.

تاريخ النشر 08-04-2025