الانتصار بالنقاط: بقيةُ السيف

في جبهة الحق، لا يُختصر النصر في عمر قائد، ولا تنتهي المسيرة برحيل رجل، فكلُّ شهيدٍ فيها يُورِق، وكلُّ دمٍ يُسفك يُثمر. ليست جبهة الحق خَطًّا ينقطع إذا قُطع أوله، بل هي نبضٌ يتناسل من الألم، وصيرورةٌ لا يُطفئها الفناء.

حين قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب: "بقيّةُ السيف أنمى عددًا وأكرم ولدًا"، لم يكن يصف أثر الدم في الأرض، بل أثره في الزمن. فالبقية هنا ليست ضعفًا بل طليعة، ليست بقايا بل جذورٌ أقوى، تُنبتُ جيلًا أصلب وأصفى، لأنهم جاءوا من رحم الابتلاء، ورضعوا من وجع الشهداء، وعرفوا طريقهم دون مواربة.

ولولا أن مضى من قبلهم رجلٌ شدّ الرحل إلى الموت، ما عرفنا بأس الذي تبعه. هكذا هي جبهةُ الحق، وهكذا تراكم انتصاراتها؛ لا تسقط بسقوط قادتها، بل تُولد بولادة خلفهم. هي الجبهة الوحيدة التي إذا فُقد رأسها لم تنهر، بل انتصبت أعناقها نحو الغاية.

في معاركنا الحديثة، رأينا كيف كانت الدماء لا تفرغ الجبهة بل تملؤها: من بعد ارتقاء ع. مغـ، خرج الحاج رضوان جديد. من بعد رحيل الشقاقي، ولد الجه/د الإسلامي من جديد. من بعد سليما//ي، تناثرت أذرعه في كل الجبهات. حتى غياب القادة الكبار اليوم لا يُربك مشروع المق/ومة، بل يؤكد صدقه، ويكشف عن مخزون بشريٍّ وروحيّ لا ينضب.

هذا هو الانتصار بالنقاط: لا أن تبقى على قيد الحياة، بل أن يبقى مشروعك حيًّا بعد موتك، أن يتكاثر صوتك حين يُراد له أن يصمت، أن ينهض خلفك مَن لم تلتقِ بهم إلا في خطك ونيتك ودمك.

في معسكر الباطل، القتلُ خسارة، أما في معسكر الحق، فالقتلُ حافز. كلُّ جولة يُستشهد فيها قائد، تنفجر فيها عقولٌ وقلوبٌ جديدة. لأن الحق ليس مرتبطًا باسم، بل بطريق، وكلّ من سار عليه كان مرآةً لسابقه ومقدّمةً للاحقه.

جبهةُ الحقّ تُربك العدو بهذه الولادة الدائمة. كلُّ صاروخ يُسقط قائدًا، يوقظ ألف مقـ/وم. وكلُّ غارةٍ على بيت، تُولد بيتًا جديدًا في بيت الله أولًا، ثم في الميدان.

هذه الأمة ولّادة، وهذا الثغر مستخلف، والدماء لا تصنع مآتم، بل مفارق طرق نحو الجنة. وكلّ نقطة دم هي نقطة في سجل الانتصار، تكتبها الأمة لا التاريخ فقط.

الانتصار بالنقاط: حين يبقى من السيف بقية، تعرف أن المعركة لم تنتهِ بعد، بل بدأت للتو.

@hassanomar_99 ✍🏼